التوبة
غلطة داود :
كان بنو إسرائيل يحاربون بينما كان داود مستريحاً فى قصره فى أورشليم. وفى كسله وراحته زاره فكرٌ شرير، ورحَّب داود به، وانتزع امرأة زوجة رجل. ولكن شكراً لله أنه لم يترك داود فى خطيته، إذ أرسل إليه ناثان النبى لينبَّهه. واستيقظ داود ليبكى على خطيته، وكتب المزمور الحادي والخمسين اعترافاً.
وينقسم هذا المزمور إلى ثلاث أقسام :
اعتراف داود: لم يصب داود هدف وجوده فى الحياة وأخطأ. وقال إنه عمل الشر، والشر هو عبور الخط الذى رسمه الله لنا، فقد وضع الله لنا حدوداً، والشرير هو الذى يعبر الخط إلى عالم الممنوع. وفى طلب الغفران طلب داود أن يمحو الله معاصيه، كأن الخطيئة مكتوبة فى كتاب، وداود يطلب من الله أن يمحوها. وقال لله (اغْسِلْنِي كَثِيرًا مِنْ إِثْمِي، وَمِنْ خَطِيَّتِي طَهِّرْنِي.).
ثم يقول داود للرب (اسْتُرْ وَجْهَكَ عَنْ خَطَايَايَ، وَامْحُ كُلَّ آثامِي.) وهذه فكرة الكفارة وضع غطاء على الخطيئة حتى لا يراها الله. ودم المسيح هو الغطاء الذى يغطى الخاطئ ويستره.
داود يطلب التطهير:
طلب داود من الله قلباً نقياً (قَلْبًا نَقِيًّا اخْلُقْ فِيَّ يَا اَللهُ) والقلب النقى هو القلب النظيف الذى غسله السيد المسيح ويعطيه الله للإنسان كما يقول الإنجيل المقدس (إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي الْمَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ: الأَشْيَاءُ الْعَتِيقَةُ قَدْ مَضَتْ، هُوَذَا الْكُلُّ قَدْ صَارَ جَدِيدًا) (٢كورنثوس ١٧:٥).
ثم طلب من الله أن يعطيه روحاً مستقيماً (رُوحًا مُسْتَقِيمًا جَدِّدْ فِي دَاخِلِي). عندما خلقنا الله كانت لنا إستقامة، لكن الخطية عوجتها، ونحن نطلب من الله أن يجدّد استقامتنا التى ضاعت منا.
ثم يقول داود ( ُعَرِّفُنِي حِكْمَةً) . نحن نحتاج إلى حكمة فى التصرف والتفكير، يقول لنا الإنجيل إن كل من تعوزه حكمة فليطلب من الله الذى يعطى بسخاء.
ومضى داود يصلى لله (لاَ تَطْرَحْنِي مِنْ قُدَّامِ وَجْهِكَ). إن الابتعاد عن الله هو سبب كل البلايا، لكن وجه الله الذى يسير معنا يبعدنا عن الخطيئة.
وقال داود لله (وَرُوحَكَ الْقُدُّوسَ لاَ تَنْزِعْهُ مِنِّي). لأنه نادم على خطيئته ولأنه يريد أن تتطهر حياته.
ثم قال داود للرب (رُدَّ لِي بَهْجَةَ خَلاَصِكَ). فالذى يتوب إلى الله ترجع إليه بهجة الخلاص.
ثم قال داود للرب (بِرُوحٍ مُنْتَدِبَةٍ اعْضُدْنِي). كان داود مثل اللص الذى أخذ ما لجاره الفقير، لكنه يصلى أن يعطيه الرب روحاً سخية تجعله يتعب عاملاً الصالح ليُعطى من له احتياج.
داود يطلب فرصة للخدمة:
قال داود (أُعَلِّمَ الأَثَمَةَ طُرُقَكَ) لقد سقط داود وتعب وعمل الإثم، ورأى نتيجته المُرّة، ولذلك فهو يريد أن يحذَّر الأثمة من طريقهم الشرير، ويهديهم إلى طريق الرب.
ثم يقول داود (يُخْبِرَ فَمِي بِتَسْبِيحِكَ). كان داود قد نظم مدرسة الأنبياء وأدخل فيها تعليم الترتيل والموسيقى، وهو يريد أن تستمر خدمة الترنيم والتسبيح. ثم قال داود لله إنه يريد أن يبنى أسوار مدينة الله. الخطيئة تهدم السور الذى يحمى النفس. وإن كان الشعب قد رأى داود يخطئ، فإن الخطيئة تهون إمامهم، لأن الناس على دين ملوكهم، ويريد داود أن يضيّع تأثير خطئه، فطلب من الله أن يعطيه فرصة الخدمة وبناء سُوَر مدينة الله.
كان داود مثل البلبل الذى ارتفع فى جو الصداقة مع الله، يرنم فى السماء بفرح وابتهاج، وفجأة سقط على الأرض مكسور الجناح يصرخ طالباً رحمة الله.
يجب أن نحترس :
لا يجب أن نلوم داود لإننا فى أشياء كثيرة نعثر جميعنا. فى كل واحد منا شئ يقرِّبه إلى الله، وشئ آخر يشدُّه إلى الشر. فلنقف فى حذر لئلا ندخل فى تجربة، فإن رسول المسيحية بولس يحذرنا قائلاً (إِذًا مَنْ يَظُنُّ أَنَّهُ قَائِمٌ، فَلْيَنْظُرْ أَنْ لاَ يَسْقُطَ.) (١كورنثوس ١٢:١٠). لذلك لنكن ساهرين صاحين، لأن الشيطان كأسد زائر يريد أن يبتلعنا. لا نظن أن فترة الشباب وحدها هى مرحلة الخطية، فإن داود جاز مرحلة الشباب فى انتصار، ولكنه سقط فى الخطية وهو كبير العمر. وليس على الخطية كبير، ففى اللحظة التى نبتعد فيها عن الله نهوى إلى الشر. ولكن لتكن لنا ثقة بالله، فلا نفشل إن سقطنا (أَنْتُمُ الَّذِينَ بِقُوَّةِ اللهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلاَصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الأَخِيرِ.) (١بطرس ٥:).